يمكنك القراءة من خلال الموقع أو تحميل الملف مجانا من خلال الرابط التالي
يرجى قراءة النسخة الكاملة إذا نال إعجابك هذا الفصل التشويقي
لتحميل ملف جريمة هاردلي هاوس “النسخة التشويقية المجانية”

رواية
جريمة
هاردلي هاوس
بقلم محمد حياه
إهداء
أهدي هذا العمل لجسدٍ أنهكته طعنات من حوله ورغم ذلك مازالوا يستندون عليه، لقلبٍ تحمل الأذى النفسي بصدر رحب، لعَيّنٍ رأت الحقد والكره في أعين من ظننتهم الأقربين وابتسمت، ليدٍ قدمت كل الخير إلى أيادي جرحتها بالسكين، لعقلٍ حَسن الظن في من خذلوه ومنحهم تبرير لذلك، لغبيٍ فعل كل هذا ولن ولم يتعلم أن يتوقف….
لأن للأسف هذه طبيعته وهذا الغبي هو أنا.
إمضاء
بطل العمل
المقدمة
اليوم الخامس والعشرون من فبراير عام 1970م، ولقد أتممت اليوم عامي التسعون وقررت أن أكتب هذا الكتاب حتى يكون مرجع لتاريخ تأسيس الأخوية وكي يكون النص واضح المعنى والتعبير قررت ألا أكتبه بلكنة قريتي ومصطلحاتها الغريبة على الكثير منكم، بل سوف أكتبها باللغة العربية الفصحى الدارجة حتى يسهل ترجمة الكتاب لعدة لغات في أسرع وقت، لم يكن العمر هو العائق أو سببٍ في ان أتردد كثيرًا في قرار كتابة هذا الكتاب، ولكن كان كل هذا العمر لدراسة الحقيقة التي أيقنتها وأُثبتت في كل تجارب الحياة والقصص التي مرت بي، حقيقة لن يقنعني بعكسها أو زيفها شيء حتى إذا مُت وأخرجوني من قبري مائة مرة كي يزعزعون قناعتي عن تلك الحقيقة فلن ولم ينجحوا، والحقيقة التي أقصدها هي أن النساء هن وقود كل الشرور في هذا العالم منذ بدأ الخليقة، وقود الغدر أنثى، وقود الخيانة أنثى، وقود الكذب أنثى، وقود كل الحروب أنثى، فكيف لي أن ألوم نارًا كانت وقودها أنثى، أنا لا أكره الأنثى فالكراهية مشاعر سامية لا تستحقها، لأنك عندما تكره شيء فهذا القرار يعني أنه شيء من الممكن أن يُحب أو أحببته من قبل وقررت الأن أن تكرهه، وبالتأكيد هذا المثال لا ينطبق على الأنثى، ولكن في نفس الوقت لا أنكر وجودها، فهناك أشياء كثيرة مثلها موجودة حولنا نتعايش معها ونتعامل معها ونستغلها احيانًا كثيرة مثل روث البهائم، كم هو مفيد لنا ولكن لن يصل لمستوى أعلى من أنه روث، الجنس مع الأنثى بغرض التكاثر شيء ضروري ولكن دون ذلك فليس لحياتها قيمة، وحينها يكون الموت المؤلم هو أفضل هدية تُهديها لها، لأن النساء جميعهن يستحقن القتل، وسوف تكون أخويتنا هي لعنة النساء على الأرض.
إمضاء
صِدّيق عوني باشا
تمهيد
اليد اليمنى تنتفض منها العروق معلنة عن قوة أو غضب أو الأثنين معًا، تقبض على خنجر ذهبي مميز يلمع نصله من عند الحواف، وفي كعب مقبض الخنجر يظهر رأس أسد بارزة يكشر عن أنيابه وكأنه في لحظة الافتراس، وصَوت نباح كلبًا قريب وزَمجرته لا تعني سوى غضبًا قد ينتهي بكارثة، يعود الخنجر للوراء ثم ينطلق في سرعة كبيرة للأمام لينتهي طريقه في جسد رجلًا مُسن، تتصلب عضلات جسده أحترامًا ورهبة من هذه الطعنة الحادة، ولكنها ترتخي سريعًا ليسقط أرضًا بعد أن يخرج الخنجر مودعًا جسده، ثم يتحرك حامل الخنجر بخطوات ثابتة خارجًا من المكان، وهو لا يعلم أن المُسن قد قرر ان يكتب اسم قاتله بدمه، ولكن هل سوف تكفي دمائه لكتابة اسمه أم سوف تسبقه روحه وتصعد لبارئها مبكرًا؟
الفصل الأول
حنين
6 مايو 2024 – هولندا
نسمة صيفية خفيفة هاربة من حرارة الشمس تسللت من بين فتحات نافذة ذات إطار أبيض وتطايرت بين ممرات مكتبة جامعة (أوتريخت) العتيقة بهولندا والمميزة باللون الأبيض الهادئ ولكنها لم تنجح في قطع تركيز (حنين) التي تبحث في ثلاثة كتب أمامها عن تطبيق مختلف لأحد نظريات علم النفس الإجرامي وهذا هو مجال تخصصها ودراستها في تلك الجامعة، وقد اختارت هذه الجامعة لأنها من أفضل الجامعات في مجال الطب النفسي في العالم وكرست ما حصلت عليه من ورث أبيها في مصاريف رحلتها العلمية ودراستها لهذا المجال.
ظلت جالسة في المكتبة ما يقرب من أربعة ساعات تبحث في تلك الكتب ولكنها لم تعثر عما تبحث عنه مما دفعها للإحباط في النهاية، جمعت أغراضها وإعادة الكتب مكانها، وقبل أن تصل للدَرّج لاحظت السيدة المسؤولة عن القسم بالمكتبة اقتربت منها وسألتها بلطف:
- أعمل على بحث مهم في نظريات علم النفس الاجرامي ولكن لم اجد كتب ورقية بالمكتبة قد تفيدني في ذلك بشكل الذي ارغب فيه.
- من الممكن أن تكون الكتب التي ترغبين فيها متوفرة على موقع المكتبة بصيغة الالكترونية، هناك كتب كثيرة قديمة حماية وصيانة لها ذهبت إلى مرحلة الترميم ولكن تم رفعها على موقع المكتبة الرسمي.
ظهر على حنين السعادة وشكرت السيدة وتحركت سريعًا نحو منطقة الحاسب الألي بالمكتبة وأختارت واحدًا غير مشغولًا وألقت بما تحمله بجانبها وفتحت موقع المكتبة ولكنها تفاجأت بأنه طلب في البداية تسجيل حساب وكلما حاولت تفشل على آخر خطوة حتى تذكرت ان لها حساب قديم مفعل ببريد إلكتروني التي أنشأته في بداية عامها الأول بالجامعة وحاولت أن تتذكر كلمة المرور ولكنها فشلت و ضغطت على اختيار نسيت كلمة المرور والذي من خلاله انتقلت لبريدها الالكتروني القديم ونجحت في تذكر كلمة المرور وفي النهاية فتحته، وتصفحت صندوق الرسائل ولكن كانت المفاجأة بالنسبة لها هو وجود رسالة مرسلة من أختها (هالة) منذ خمس أشهر، نال الغضب منها ولم ترغب في فتحها وحدثت نفسها في حنق:
- بعد مرور أكثر من ستة سنوات تتذكريني الآن، ألم يكفيكي ما فعلتيه معي، ألم أقل لك أن هذا فراق بيني وبينك، صدمة الغدر من شخص عزيز عليك لا تؤلم فقط بل تقتل احساس الثقة في من حولك، زلزال يدمرك وتوابعه لا تنتهي، توابع تظهر مع كل شخص يحاول أن يقترب منك، فلقد تعلمت أن جميع البشر خائنون حتى يثبتوا العكس والعكس عندما يأتي تكون قد أصبحت مُتبدل المشاعر، فيتركونك وحيدًا وكأنك جزيرة يهجرها نادمًا كل من فكر أن يسكنها يومًا
همت بالنقر على الرسالة من الخارج كي تحذفها وبعد لحظات من التردد لعنت فضولها الذي دفعها عن قرارها هذا وجعلها تفتح الرسالة والتي كانت باللغة الإنجليزية ونصها كالتالي:

لمعت عيناها أثناء قراءته ولكن ما أن إنتهت من قراءتها وتجمدت مكانها ثم اعتلت ملامح الريبة وجهها، وأمالت رأسها وهي تنظر للرسالة وبالأخص التوقيع وحدثت نفسها في كثير من الشك:
- هل ما أراه هذا حقيقي؟ هل هذه مزحة من هالة أم ماذا؟ هالة إستخدمت هذا التوقيع السري الذي كانت تستخدمه معي أثناء لعبنا معًا قديمًا بالرسائل المشفرة ما بيننا من خلال نظام الرسائل (BBM) والتي لن يلاحظها غيرنا وكنا نستخدمه بسبب فضول زوجة والدي المفرط في التدخل في حياتنا ومراقبتها بشكل يثير الغضب والمشاكل مع والدنا، وهذا ما جعلنا نلجأ لهذه الحيلة لأنها كانت تستبيح كل شيء لنا وليس لنا خصوصية في منزلنا وهذا تحت موافقة والدنا التي خدعته بأنها تحمينا وتحافظ علينا بتلك الطريقة، ولكن لماذا الآن هذه الرسالة؟ وما هي تلك الرسالة الخفية فيها؟
قامت بطباعة الرسالة وأخذت النسخة المطبوعة منها إلى مقر سكانها مع مجموعة من الفتيات اللاتي يتشاركن السكن معًا، ودخلت غرفتها وفتحت مصباح مكتبها وألقت كل ما تحمله ارضًا وبدأت في التركيز في الرسالة والبدء في حل شفرتها، وذلك عن طريق أن تستخرج الحروف التي كتبت بشكل كبير في الكلمات مع تجاهل الحرف الكبير في الأسماء الشخصية، ومحاولة معرفة هل تكون كلمة أو عدة كلمات ومع استخراج الحروف كانت كالتالي:
(H-E-W-A-N-T-K-I-L-L-M-E)
لحظات من التفكير حتى وصلت لحل شفرة الرسالة والتي كانت عبارة عن أربع كلمات إنجليزية:
“He want kill me”
أسقطت حنين القلم من يديها واتسعت عينيها من الصدمة وهي تردد كلمات العبارة.
صِدّيق
أم دُرمان – السودان
في فجر السادس من فبراير 1880م تمت ولادتي، رفضّت وتعفّفت أمي (التي لا أرغب في ذكر أسمها إنتقامًا) عن إرضاعي بسبب ضعفها وهوان جسدها وهذا ما كانت تخبر به الجميع ولكنها أخبرتني في ذلة لسان منها ذات مرة بأن ولادتي كانت صعبة ومؤلمة بشدة لها بسبب وضعي المقلوب في رحمها ولعنتني ألف مرة وسبتني وهي تلدني، وعندما رأتني في النهاية لم تشعر بالراحة أو الترابط معي، وبدّلت ثديها بعنزة ضعيفة النظر هزيلة الجسد بسبب رؤيتها المشوشة في البحث عن الطعام، ونضج جسدي على أشعة شمسٍ الحارقة التي تتراشق فوق جلدي، ولذلك علمت أن لا يتحمل أحد هذا إلا وسوف يصبح لعنة على من حوله انتقامًا من كل شيء، انا مجرد ردة فعل شنيع لفعلٍ دَميم.
وفي نهاية عام 1888م بدأت عملي كعامل نظافة وراع في اسطبل خيول، كنت أعمل خمسة عشر ساعة في اليوم، وكانت أجرتي اليومية هي وجبتي فقط وبذلك اكون قد قللت عبء كبير على أسرتي، فلقد كنت أكبر أخواتي، يصغرني ستة من الصبيان ثلاثة منهم توأم وفتاتين الكبرى تصغرني بعام والصغرى وهي أحدثهم عمرها شهور، فلقد كان كثرة الإنجاب شيء عادي منها رمز للفحولة وتثبيت العرق والأصل، ومنها رمز لخصوبة عائلة الام وشبابها، وفي حالة اسرتنا كان الأهم منها المساعدة على المعيشة، وقد كنا نعيش في (خور أبو عنجة) وهي قرية فقيرة من كل شيء حتى من المشاعر، تحت حكم القيادة المهدية بقيادة (عبدالله التعايشي) خلفًا لقائد الثورة المهدية (محمد أحمد المهدي) قرية سكانها يملكون وجوه أنهكتها الغارات والحروب والاحتلال، كان والدي (الذي لا أرغب في ذكر اسمه احتقارًا) يغادر قبل بزوغ الفجر بساعة ويعود بعد المغرب لم أعرف يومًا مهنته أو ماذا يفعله خارج المنزل طيلة هذا الوقت، المهم أنه كان يعود في نهاية اليوم ومعه ما يمكن أن يُمضغ فيقوم بتقسيمه علينا بيده.
وامي تنظر له باستحياء وكأنها أفعى تقف على عُش بيض نعام، وترفض أن تأخذ نصيبها وتنظر له باستخفاف وتعيدها له وتُربّت على كتفه في حنان مزيف، فيتناثر غبار كتفه فوق رأسه ثم يهبط ويعود إلى سكينته عليه مرة أخرى، ووالدي يومأ برأسه لها في رضا وغباء، كانت الحمول والهموم على أبي تزداد ثقل كل يوم على ظهره حتى أصبح منحني وحدود رؤيته خطوتين من أسفل قدميه، كان في غفلة مما يدار من خلف ظهره أو للأسف لما يدار أمامه، ترضيه أمي في الفراش فيظن أنه امتلك مفتاح السعادة ولكنه كان سَك الخديعة على جبهته، كانت لزيارة عمي (بِشر) السر وراء كل شيء وكأنه نفحة الإنعاش لهذه الأسرة المُتردية، تنعم زيارته بالبيض والدقيق، وكان هذا لأنه يعمل سمسار من نوع غريب يطوف القرى والبلدان الصغيرة بحثًا عن مراده، فهو يعمل سمسار لأغوات الحرم والمدينة، ووظيفته أن يبحث عن رجال ذات صفات معينة، ثم يرسلهم للوكيل الذي يكشف عليهم ويتأكد أنهم مطابقين للشروط ومنها يتكفل بمصاريف سفرهم حتى يصل للسعودية وينضم لأغوات الحرم ويتسلم مهامه حتى يصبح أغا مثلهم، كان لعمي بشر قوة التأثير على الجميع بسبب هداياه او ملابسه او حديثه عما يواجهه في رحلاته، وكان التأثير الأكبر منه على الأقل حديثًا معه بلسانها ولكنها الأكثر حديثًا بعينيها وهي للأسف والدتي، كل هذا ووالدي لم يلاحظ شيء، فلو كان كفيفًا كان من الممكن ان اعذره ولكنه كان مبصرًا بعيون معصوبة.
وفي عام 1897م وصل الخبر بقدوم حملة كبيرة بريطانية مصرية للقضاء على سيطرة جيش المهدي على البلاد، ولذلك زارنا عمى بشر لغرض في ظاهره الخير والنصيحة ولكن في طياته الخُبث والدناءة، أنه علم من أحد المقربين له في الجيش المهدي أنهم يحتاجون لزيادة أفراد الجيش للتصدي للحملة القادمة وسوف يكون التجنيد اجباريًا، واتفق زعيم القرية كي ينفذ هذا الأمر يجب أن يبقى مع كل أسرة رجل واحد بحد أقصى لمن سنه تجاوز الستة عشر من عمره، وفي تلك الحالة سوف يقع الاختيار بين والدي وأنا، ووالدي رفض أن أذهب للتجنيد وأن يضحي هو ويذهب بدلًا عني، ولكن كان لعمي أختيار آخر عرضه على أبي وهو أن يُهربه ويزج به لوكيل الأغوات كي يتفادى الموت على يد البريطانيين في الحرب ويحافظ على حياته وحياة أسرته، وبعد تفكير من عقله وفحيح امي في أذنه وافق والدي على ان يهرب ويتركنا ووعدنا انه سوف يرسل لنا المال مع عمي، ومن الممكن أن يعود بعد أن يؤدي سنوات خدمته هناك، ويوم رحيله قبّلنا جميعًا وذهب لغرفته مع أمي كي يودع ذكورته الوداع الأخير قبل أن يفقدها برغبته تحت إشراف عمي، وذلك يجب أن يحدث قبل أن يصل لوكيل الاغوات عند حلاق الصحة بشكل سري حتى يطابق المواصفات المطلوبة.
رحل والدي ورحل الساتر الأخير في بُرقع الحياء لمنزلي، زادت بعده زيارات عمي وفضحت عين والدتي كل شيء يجرى منذ زمن، وأدركت لماذا كانت تتمنع عن الاكل معنا فلقد كانت تتسلل في الليل وتأكل على مائدة عمي وتأخذ ما تستطيع أن تخزنه وتخفيه عنا كي تتناوله وحدها، كان شغلي الشاغل هو مراقبتها حتى تأكدت من ظنوني ورأيت بعيني اليقين، وقررت ان الحياة لها نعمة تلوثها كل يوم ولا تستحقها، قسيت على نفسي كي ادخر مقابل سكين اشتريه من الحداد وتابعت عن كثب جزار القرية وهو يذبح ذبيحته وكيف يختار المكان والعروق البارزة من عنق الذبيحة، وكيف يذبح بيد خاطفة ثابتة على خط مستقيم وبعده تنفجر الدماء وكأنها عين من عيون موسى، وعندما شعرت اني مستعد لتنفيذ خطتي، انتظرت عودة عمي من السفر وعلمت بقدومه المنزل لجلب الهدايا كعادته، وعلمت انه اليوم الموعود، انتظرت القمر ينتصف السماء حتى تسللت والدتي كعادتها، وتبعتها حتى وصلت للمكان الذي تمر منه وهي في طريقها السري للرذيلة وهو طريق اختارته هي لانه بعيد عن عين وحركة افراد القرية، وكان اختياري أنا لمكان بجوار نخلة تصعد للسماء بميل حاد في بدايتها، اقتربت منها بخطوات حفيفة وضربتها على رأسها من الخلف، دقائق واستيقظت ونصف جسدها متدلي في الحفرة وكأنها جالسة على حافتها، حفرة ضيقة لكنها عميقة تكفي لأكثر من طولها بباع او اكثر قليلًا، كنت قد حفرتها وجهزتها منذ عدة ايام لها خصيصًا، يديها وقدميها مقيدة من الخلف، وحول رقبتها حبل معقود كمشنقة ومربوط بالنخلة، نظرت لي بفزع تبعتها الصدمة ثم التوسل الذي لم انصت لحرف منه وكأنه صراخ لشخص أصم، دفعتها في الحفرة فأصبح جسدها متدلي بداخل الحفرة ومعلقًا بالحبل الذي حول عنقها، ورأسها خارج الحفرة وأعلى من الأرض بقبضتين يد، جلست خلفها ثم أمسكت شعرها بيدي اليسرى وجذبتها نحو صدري فصرخت صرخة مكتومة همست في أذنها:
- لم تنولي الشرف في حياتك القذرة يا أمي سوى شرف الشنق قبل الذبح.
أخرجت السكين من جيبي وبيد اليمين مررت السكين على عنقها أسفل الحبل مرة واحدة سريعة انفجر دماءها الدنس منه وتساقط في الحفرة، جلست حتى توقف النزيف، ثم قطعت الحبل لتسقط في الحفرة وردمت عليها، وعدت إلى فَرشتي بين اخواني في هدوء وراحة قلب.
هالة
16 أبريل 2019
حي الزمالك
الساعة العاشرة مساءًا
حديقة شاسعة مليئة بأشجار قصيرة جافة تحيط بشجرة كبيرة كئيبة لا تثمر إلا الشوك منذ وفاة مَالك تلك الأرض، وفي النصف الأخر قصر عظيم الطراز كبير قد أضاف الزمن عليه الكثير من القباحة والسواد والغموض، ومن خارج سور تلك الأرض وبوابتها الحديدية، تقف أمامها شابة جميلة بزيها المتناسق تعتبر رمزًا للأناقة، وتتميز بشعرها الأسود القصير قليلًا وعينيها البنية الواسعة وبشرتها البيضاء كثيرًا وطولها المتوسط والذي يتضح إنها في متوسط عقدها العشرين، تقف منتصبة في مزيجٍ من الشموخ والدلال تعيد خصلات شعرها خلف أذنها بيد وباليد الأخرى تمسك المِكروفون بحرص، وعينيها تراقب شاب طويل القامة يقف أمامها على بعد خطوتين حاملًا على كتفه كاميرا كبيرة، أشار بأصابع يده اليسرى العدد ثلاثة ثم اثنان ثم واحد ثم أشار نحوها والتي بدورها أخذت نفسًا بهدوء واعادته مبتسمة قائلة بحماس:
- أهلًا وسهلًا بكم مشاهدين ومتابعين برنامج “عدسة بالفعل” معكم “هالة فاضل” من أمام بوابة قصر “عوني باشا” أو بالأحرى “صِدّيق عَوني باشا” الذي يقع في جنوب حي الزمالك، هذا القصر الذي لم يسكنه أحد منذ وفاة مالكه في بداية السبعينات القرن الماضي، فلقد توفى صِدّيق باشا في 6 يونيو عام 1974م، ولقد إكتشفوا جثته بعد يومًا واحد فكانت وفاته حادثة أثارت جدلًا كبيرًا حينها وحتى وقتنا هذا، فكان مشهد جثته هو صورة مفزعة تلاحق كل من رأها، فلقد وجدوه ملقى على فراشه غارقًا في دماءه، وتم نهش جثته وإستئصال قلبه، مَن يفعل ذلك في رجل تجاوز التسعين من عمره؟ وبعد تلك الواقعة المفجعة إنتشر حول هذا القصر الكثير من الأساطير والحكايات المخيفة، عن سماع صراخات نسائية عالية ومتفرقة ليلًا، وهناك من لاحظ من نوافذ القصر وجود ظلًا لأشخاص يسيرون ليلًا في طرقات القصر، قصص كثيرة ترويها الأهالي هنا عن تجارب مرعبة شخصية مروا بها مع هذا القصر أو رواها لهم أحد أقاربهم، هذا القصر الذي يتميز بمساحة أرض كبيرة، إستطاع عوني باشا ذات الأصول السودانية بسبب علاقته القريبة بحاشية الملك فاروق أن يحصل على أمهر المهندسين والمعمارين في ذلك العصر لبناء هذا القصر، وبرغم الطراز المعماري المتميز له والذي يعتبر تحفة معمارية فنية إلا إنه يعتبر مصدر للخوف والرعب لأهالي المنطقة ولكل من يمر بجواره، واليوم لماذا نحن هنا؟ فهذا ما سوف تعرفونه بعد الفاصل، إنتظروني لن أغيب كثيرًا.
زفرت بنشوة من إتقانها في إلقاء مقدمتها الشيقة بنجاح، نظرت للشاب الذي أمامها حامل الكاميرا وسألته في قليل من التوجس:
- ما رأيك يا كريم؟
- متألقة كالعادة يا أستاذة.
قالها كريم ثم أشار لرجل أن يقترب كان يقف على بُعد خطوات منه، رجل أصلع الرأس، يرتدي جلبابًا أبيض فضفاض تفوح منه رائحة العنبر اليَمني، ويمسك في يده اليُمنى سبحة ذات فصوصًا خضراء تتقافز بين أصابع يديه كل الثانية والأخرى، يقترب في تعفف وخجل من هالة التي تتابع الاشعارات القادمة على هاتفها الخلوي في تركيز شديد حتى إنها لم تلاحظ وقوفه بجانبها، لحظات وتفاجأت بوجوده وأومأت برأسها تأسفًا:
- أعذرني مولانا كنت غارقة في شاشة هاتفي ولم ألاحظ وجودك، أنا آسفة.
أشرق وجهه بابتسامة خفيفة مجيبًا:
- أنا من يجب أن أعتذر سيدتي فكان علي أن أَتنحنح قبل أن أقترب منك بهذا الشكل الفج.
قاطعهما كريم:
- مستعدة يا أستاذة هالة؟ هل نبدأ؟ إنت جيد هكذا يا شيخ فتحي أرجو أن تثبت مكانك وتنظر نحوي
- مستعدة جدًا
رسمت إبتسامة خفيفة ثم أخذت الجِدية من ملامحها الكثير وهي تراقب أصابع يد كريم التي تعد عدد تنازلي حتى أشار لها بالبدء فقالت في حماس:
- وعدنا مرة أخرى مشاهدي برنامجنا “عدسة بالفعل” والآن وبصحبتي الشيخ فتحي الحناوي وهو من سيخبركم بسبب وجودنا بهذا المكان المخيف؟ أهلًا وسهلًا مولانا الشيخ الحناوي
- أهلًا وسهلًا بحضرتك ومشاهدين برنامجك القَيّم؟
أومأت برأسها ترحيبًا ثم أكملت سؤالها:
- أرجو منك إخبار جمهور البرنامج ما سبب دعوتك لنا لهذا المكان بالتحديد؟
- أولًا أحب أشكرك أنتِ وطقم إعدادك لقبولكم وترحيبكم بدعوتي، ثانيًا سبب الدعوة هو نشر الوعي لأكبر قطاع نستطيع الوصول له، ولن أجد أكثر من جمهور برنامجك العظيم لنقل هدفي من خلاله، هناك الكثير من الناس الذين يكذبون ما يقال عن أفعال الجن في عالمنا البشري، والكثير منهم ينكرون وجودهم من الأساس.
زادت حدته في الحديث فأردف بغضب:
- وأنا هنا بصدد تجربة فعلية واقعية لطفلة إنقلب حالها بشكل مخيف فلقد أصيبت بمس شيطاني، وجاء لي والدها طالبًا مساعدتي حتى أخلصها مما أصابها، ولذلك أردت أن تكون تلك الجلسة العلاجية أمامك وأمام عدسة برنامجك التي سوف تسجل كل ما يحدث ليشهد مشاهدين برنامجك على الحقيقة التي سوف يروها بعد دقائق، كلمة أخيرة “للجِن قوة وغضبٌ شديدين لسنا مؤهلين لتحملهما، ويبقى الإيمان بالله سلاحٍ أمامهما لمن اتخذه درعًا”
تبلع هالة ريقها وتجحظ عيناها قليلًا بعد كلماته الأخيرة، ثم تنظر للأمام وتردف في شيء من الثقة المزيفة:
- ابقوا معنا لنتعرف أكثر عن تلك الطفلة وما حدث لها بالتفصيل.
طارق
21 ديسمبر 2023
حي الزمالك
الساعة التاسعة صباحًا
بداخل سيارة كورية الصنع وعلى أنغام أغنية (لعبتك) للمطرب السوري (مجد القاسم)، ووسط دخان سيجارته المتطاير والحبيس داخل السيارة يميل الضابط طارق أباظة برأسه قليلًا مع الموسيقى، وهو ضابط في أوائل سن الأربعين من عمره يتميز بنحافته الشديدة ورغم ذلك فيظهر عليه الصلابة، تنير جبهته العريضة بسبب لمعة انعكست من ضوء النهار المطل عليه من النافذة الأمامية للسيارة، وصلابة وجهه تجعلك لا تتخيل أن هذا الوجه قد يبتسم في يوم من الأيام، حاد الملامح بشكل مريب، وضِيق عينيه تجعلك لا تشعر أمامهما بالراحة وكأنه يتفقد كل خلية فيك في كل نظرة تقع فيها عينيه عليك، لحظات ووصل للمنزل التي وقعت به الحادثة التي تم الإبلاغ عنها صباحًا، أوقف سيارته بجانب سيارات الشرطة التي سبقته، ونزل من سيارته وهو يتفقد هذا المجمع المنزلي الغريب، لاحظ المنزل كتب عليه لافتة باسم (السيد جعفر فهمي) ويعتلي اللافتة رقم (1)، تحرك للداخل وسط تحركات أفراد الشرطة وما أن وصل لباب المنزل الداخلي حتى لاحظ آثار خدوش واضحة على إطار الباب بجوار رتاج المقبض ومثله الطرف المقابل للمقبض، تفقد غرفة الاستقبال والطعام في حالة فوضى من تفتيش محتوياتهم، ثم أخذه أحد افراد الشرطة لغرفة المكتب أو مسرح الجريمة بالمعنى الأدق، اول ما دخل من الباب لاحظ امامه جثة رجل ستيني راقدًا أرضًا على ظهره في وسط الغرفة ويده اليمنى ممتدة بجانب رأسه، قدمه في اتجاه الباب ورأسه بالقرب من المكتبة الركنية التي تحتل جدارين ملتصقان من الغرفة الجدار المقابل للباب ويسار الجثة، وعلى يمين الجثة المكتب وخلفها نافذة تنير الغرفة، وبالجدار الذي به الباب يوجد مقعدان عريضان مكسيان جلد وبينهما علق على الحائط صورة للرجل يشبه الضحية في عمرٍ أقل في دولة اسيوية ما، والمكتب في حالة فوضى تم تفتيش أدراجه واخراج ما فيهم
وقف طارق أمام أحد رجال البحث الجنائي والمسئول عن الفريق ويدعى أيمن وقد عمل مع طارق في عدة قضايا من قبل، اشار طارق له مرحبًا فدنى منه أيمن وهو يمد يده بقفاز طبي:
- القفاز يا طارق باشا
- اشكرك
ارتدى طارق القفاز واقترب من الجثة النائمة وأتكئ على ركبتيه وكانت الملاحظة الأولى أن هناك آثار طَعنة نافذة في صدر الضحية بالقرب من القلب، وأن نزيف الدم يتحرك نحو الإبط الأيسر مرورًا بالجذع الأيسر وهذا الطبيعي عندما تكون الجثة نائمة على ظهرها ولكن الغريب أن هناك خط نزيف دم جاف إضافي كان تحركه عكس هذا الإتجاه وهذا معناه أن الضحية بعد طعنه وسقوطه أرضًا أتكئ على جانبه الأيمن ليفعل شيء، أمسك طارق جسم الجثة وحاول أن يثبتها على جانبها الأيمن، فإكتشف مصدر نزيف في ظهر الجثة بفتحة جرح أكبر من فتحة الصدر وهذا أثبت أن الطعنة كانت من الظهر ونفذت من صدر الضحية، لتكون ضربة نافذة قاتلة من الخلف وليس من الأمام.
إتبع طارق يد الضحية الممتدة أسفل رأسه الآن في إتجاه المكتبة، وكأنه كان يريد أن يمسك شيء أو يزحف لشيء ما، إحتار طارق في هذا الأمر قليلًا ثم نهض وطالب من رجال التصوير الجنائي الاهتمام بالتصوير لمسرح الجريمة بكل شيء ولا يتركوا أي شيء إلا ويكون محفوظ بصورة أو دليل، لحظات من التفكير حتى سمع طارق أيمن ينده عليه والذي كان بجوار يد الجثة الممتدة وكان يظهر عليه علامات الاستغراب فذهب له طارق وأتكئ على ركبتيه بجانبه متسائلًا:
- ماذا وجدت؟
- إنظر إلى أصبع السبابة ملوث بالدماء ولكن الغريب ما اسفله
أشار نحو الأرض بالمكان التي كانت تغطيه اليد ليظهر شكل يشبه حرف (H) في اللغة الإنجليزية كتب بثلاثة خطوط من الدم، أثار هذا الأمر دهشة طارق فأشار بسبابته:
- إلتقط صور عدة لهذا الشكل يا أيمن وحاول أن تأخذ عينة من الدم الذي على إصبعه لعله يكون للقاتل، وننهي تلك القضية.
نهض طارق وهو يتنهد ثم ترجل وصعد لأعلى كي يتفحص الغرف ليجدها غير مرتبة وبالاخص غرفة النوم الرئيسية، تم فتح خزانة الملابس وبعثرة محتوياتها، وأثناء ذلك لاحظ في المرآة انعكاس لحركة بسيطة من شخص يقف في النافذة المطلة على الغرفة بالمنزل المجاور، تعمد ألا يلتفت حتى يتابع هذا الشخص ليجد أنه يستغل الستائر في الاختباء خلفها، التفت مرة واحد سريعًا نحو النافذة ليختفي هذا الشخص سريعًا دون ان يلاحظ ملامحه، أقترب من النافذة وفحص إطارها جيدًا، وتحرك للخارج ولكنه لاحظ شيء غريب أسفل الفراش بجوار أحد أقدامه أقترب منه وتفحصه بيده ليجد أنه قطعة لاصق عريض اسود مُكوم وملتوي على بعضه، هذا دفعه لكي ينحني وينظر أسفل الفراش ووجد ثلاثة قطع مشابهة منثورة بشكل عشوائي، نهض وتحرك سريعًا للخارج ولكنه لاحظ أن هناك إلتواء بسيط في رتاج الباب وكأنها محاولة لفتح الباب عنوة من الخارج، تفحصها جيدًا وتحسسها بأنامل يديه، ثم تحرك ونزل الدَرج وبحث عن أيمن وجده يعاين البصمات على مقابض ادراج المكتب، أشار أيمن برأسه نحو المكتب وهو يقول بيأس:
- لا أظن أن السارق وصل لمبتغاه في هذا المكتب بسبب ما أحدَثه من فوضى
- تابع عملك واحسر كل البصمات التي تجدها هنا، وعندما تنتهي اخبرني حتى أصعد معك لأعلى وبالأخص غرفة النوم الرئيسية فلقد وجدت بها أشياء يجب فحصها.
أومأ أيمن بالموافقة وكاد أن يتركه ويعود لعمله لكنه تذكر شيئًا ما، ربت على كتف طارق:
- وجدت شيئًا يجب أن تراه، تعالى معي
أشار بسبابته نحو أسفل الإطار السفلي للنافذة حتى رأى أمامه بقعة دم جافة، هذا غير بقعة أخرى على الأرض أسفلها مباشرة، اقترب طارق مدققًا فيها وسأل في فضول:
- هل يمكن ان تحدد متى حدث ذلك؟
- ليس أكثر من شهر ولكني سوف اتأكد أكثر من هذا الاحتمال
شعر طارق إنه يحتاج إلى تدخين سيجارة لكي يفرغ فيها الأفكار التي اجتاحت عقله، ترجل للخارج بخطوات حريصة على ألا يفسد شيء في مسرح الجريمة، ووقف في حديقة المنزل واشعل سيجارته وأفرغ دخانها في السماء رافعًا رأسه لأعلى ليتفاجأ بأن هناك سيدة تقف خلف نافذة منزلها في الطابق الأول وهي نفس النافذة التي كانت تراقبه وهو بغرفة النوم الرئيسية، لاحظ انها تنظر له وتبتسم ابتسامة إستفزت طارق جدًا، ولكن كسر هذا نداء أيمن الحماسي له:
- طارق باشا
- خيرًا يا ايمن؟ ألا يمكنني ان اكمل دقيقة واحدة انهي فيها سيجارتي؟
أشار أيمن معتذرًا واقترب منه ومد يده وأعطاه صورة صغيرة وضعت في حافظة بلاستيكية وأخبره بجدية:
- وجدناها في جيب المجني عليه.
مسك طارق الصورة منه والتي رأى فيها رأس سيدة مفصولة في مبرد، الغريب والذي أثار صدمته انها تشبه السيدة التي طلت عليه من النافذة، فرفع عينيه لأعلى مرة أخرى فوجدها مازالت واقفة تنظر له وتبتسم ابتسامتها المستفزة، تفاجأ ان ايمن بجانبه قد صدم هو الآخر عندما رأها وشهق متعجبًا.
*****
يرجى قراءة النسخة الكاملة إذا نال إعجابك هذا الفصل التشويقي
لتحميل ملف جريمة هاردلي هاوس “النسخة التشويقية المجانية”
ايه العظمة دي
اللهم بارك بسم الله ما شاء الرحمن
عظمة بجد 🤍🤍
منتظرين جداااااااااا الرواية
رهييبييبة اوووووووي
😍 حلوه جدا