الشخصية السامة: عندما يتحول الوجه المألوف إلى تهديد صامت

بقلم: محمد حياه – كاتب وروائي في أدب الجريمة والتشويق

ما هو أهم مصدر لبناء الشخصيات في أدب الجريمة؟

هل هو خيال الكاتب؟ أم مشاهدات من الحياة اليومية؟

في الحقيقة، أكثر الشخصيات التي كتبتها، وأقربها لقلب القارئ… لم أخلقها من العدم. بل رأيت ملامحها يومًا ما على وجه شخص أعرفه… وربما عرفته أنت أيضًا.

في كل جريمة، هناك شخص… لا يمسك السكين، لكنه يدفع غيره لحملها.
شخص يبتسم في وجهك، ثم ينسج حولك شبكة من الشك، والضغط، واللوم، والتلاعب حتى تشك في نفسك.
هذا الشخص… هو ما يصفه علم النفس اليوم بـ”الشخصية السامة”.

نحن لا نتحدث عن قاتل مأجور، أو مجرم محترف… بل عن إنسان عادي، قد يكون زميلًا، قريبًا، أو حتى حبيبًا… لكنه يمارس الأذى بطريقة ناعمة، منتظمة، ومستمرة.

في رواياتي، أحببت دائمًا أن أغوص في دوافع الجريمة، لا في أداة القتل.
ولهذا كانت “الشخصية السامة” من أكثر المصادر التي اعتمدتُ عليها في بناء الصراعات النفسية، وتمهيد الطريق نحو الانفجار الأخير.

لكن بعيدًا عن الروايات، ماذا نعرف حقًا عن هذه الشخصية؟
وكيف يمكن التعرّف عليها في الحياة الواقعية قبل أن تتحول إلى عبء ثقيل على أعصابنا؟


ما هي الشخصية السامة؟

الشخصية السامة ليست مرضًا نفسيًا بحد ذاته، بل نمط من السلوكيات المؤذية التي تتكرر في حياة الإنسان وتؤثر سلبًا على من حوله.

قد يبدو هذا الشخص محبوبًا، طريفًا، ذكيًا… لكنه يعرف تمامًا من أين تؤكل نفسيتك.

هناك فرق كبير بين شخص يمر بأزمة أو فترة صعبة، وبين من اعتاد أن يجعل من حوله يتألم ليشعر هو بالسيطرة، أو حتى بالراحة.

الشخص السام لا يؤذيك مرة… بل يجعلك تعتاد الأذى، وتظن أنك السبب.


السمات التي تظهر عادة في الشخصية السامة:

التلاعب واللوم المستمر

يرتكب الخطأ، ويجعلك تشعر أنك السبب… تعتذر بدلًا منه، وتُصلح ما أفسده، ثم يلومك على تقصيرك!

إشعال مشاعر الذنب

يعرف أين يؤلمك الكلام… يذكّرك دائمًا بما لم تفعله، حتى لو فعلتَ كل شيء.

التحكم العاطفي والابتزاز

يربط حبه أو قربه منك بشروط… “لو بتحبني مش هتتكلم مع فلان… مش هتخرج… مش هتشتكي”.

السخرية والتقليل المستمر

يسخر من اختياراتك، أحلامك، حتى من شكلك… ثم يقولها مازحًا: “أنا بهزر! إنت حساس أوي”.

الغضب غير المبرر

ينفجر في وجهك لأتفه الأسباب، ثم يلعب دور الضحية، وكأنك من أشعل النار.

الشخصية السامة: حين يتحول الضحية إلى مجرم

أخطر ما في الشخصية السامة… ليست فقط قدرتها على إيذاء من حولها، بل في قدرتها على خلق نسخة مشوهة من الآخر.

الشخصية السامة لا تضرب بيدها دائمًا، لكنها تضرب بعقل الآخر، تغرس فيه الشك، القلق، الاحتقار الذاتي… حتى ينفجر.

كم من شخصية طيبة تحولت إلى عنيفة…

كم من شاب فقد صبره، أو فتاة فقدت ثقتها، أو زوج فقد أعصابه…

ليس لأنهم مجرمون بالفطرة، بل لأن أحدًا ما “عاث فسادًا في داخلهم لسنوات، دون أن يترك أثرًا مرئيًا.”

الشخصية السامة تفكك العلاقات، تجعل الصواب يبدو خطأ، وتجعل اللوم دائمًا على من يحب، لا من يؤذي.

وحين تُولد الجريمة في بيئة كهذه، لا تسألني من القاتل… بل اسألني: من كان الخيط الأول في صناعة الجريمة؟


كل هذه السلوكيات لا تحدث مرة واحدة، بل تتكرر كخيوط خفية تُربَط حولك دون أن تلاحظ.
تجد نفسك في علاقة تختنق فيها… لكنك غير قادر على الهروب، لأن الشخص الآخر لا يبدو “مجرمًا”.

الشخصية السامة
الشخصية السامة

وهنا بالضبط، تبدأ الجريمة النفسية التي قد لا يُكتب عنها في تقارير الشرطة… لكنها تُسجل في القلب، وفي الذاكرة، وفي الروايات.


من الحياة الواقعية إلى صفحات الرواية: كيف تتحول الشخصية السامة إلى مجرم أدبي؟

من وجهة نظر شخصية أعتقد أن الكاتب في أدب الجريمة لا يبحث عن سفاح يترك بصماته على جثث الضحايا… بل يبحث عن تلك البصمات النفسية التي تسبق الجريمة.

عن ذلك الشر الخفي الذي لا يُرى… بل يُشعَر.

في رواية “جريمة هاردلي هاوس”، لم تكن الجريمة فقط في مَن ضغط الزناد، بل في من ضغط على المشاعر، وحرّض الكراهية، وزرع الشك في النفوس حتى أثمرت عن جريمة مكتملة.

الشخصية السامة في هذه الرواية لم تكن ضيف شرف، بل كانت شريانًا سريًا يغذي التوتر… ويقود إلى الذروة.

مثال هنا عن الرجل الذي لا يتقبل الرفض “الوجه الآخر للشخصية المتملّكة” والذي يرى المرأة كـ”حق مكتسب”، لا إنسانة لها مشاعر وخيارات.

وهذا وعن كل شخصية في الرواية والتي تمثل درجة من درجات السمّ النفسي الذي قد لا يُدركه الضحية إلا بعد فوات الأوان…

لقراءة النسخة التشويقية والتعرف على المزيد عن رواية “جريمة هاردلي هاوس”

وفي أدب الجريمة، كما في الحياة، أحيانًا لا يكون القاتل هو الأخطر… بل من جعله يختار القتل بدل النجاة.


لماذا دراسة الشخصية السامة ضرورية لكتابة أدب الجريمة؟

في رأيي الخاص إن أدب الجريمة الحقيقي ليس فقط في حبكة الجريمة ونهاية القاتل… بل في الرحلة النفسية التي تؤدي إلى لحظة الانفجار.

القاتل في الروايات لا يولد قاتلًا… بل يُصنع في معامل التلاعب، والضغط، والإهمال، والتقليل.

الشخصية السامة قد لا ترتكب جريمة مادية، لكنها تُسهم في خلق بيئة تسمح للجريمة أن تحدث.

وهنا يكمن الدور الأخطر… أن تظل بعيدة عن الشبهات، بينما هي تُشعل النار تحت السطح.

في رواياتي، أحاول أن أقدم هذه الشخصيات للقراء، لا لأدينها فقط… بل لأكشف أثرها، وأسأل:

متى ننتبه؟
متى نرسم الحدود؟
ومتى ندرك أن أقرب الناس لنا… قد يكون أكثرهم ضررًا؟


هل مررت أنت بتجربة مع شخصية سامة؟

ربما كنت في علاقة صداقة أنهكتك… أو في بيئة عمل تشعر فيها أنك غير كافٍ مهما فعلت… أو في علاقة حب أصبحت فيها نسخة باهتة من نفسك.

إن كانت هذه القصص مألوفة… فاعلم أنك لست وحدك. ولذلك نكتب.

الكتابة ليست وسيلة للهرب من الواقع، بل وسيلة لفهمه.

ودراسة الشخصية السامة ليست ترفًا نفسيًا… بل ضرورة إنسانية، لحمايتنا من الاستنزاف اليومي الذي لا نراه في شكل جرح، لكننا نحمله في صمت.

في رواية “جريمة هاردلي هاوس”، كانت كل صفحة محاولة لفك طلاسم الألم ولكشف خيوط الشر التي لا تأتي بالسلاح فقط… بل بالكلمة، بالنظرة، بالصمت الطويل الذي لا يفسّره أحد.

وإن كانت هذه الرواية، أو غيرها، قد دفعتك للتفكير في واقعك، أو في نفسك…

اعلم أن هذا هو الغرض الحقيقي من الكتابة.

المصادر الطبية والعلمية:

  1. BetterUp – مقال: 30 Toxic Traits & How to Recognize Them
  2. Psychology Today – مقال: Why Toxic People Are So Harmful
  3. Healthline – دليل السمات السامة والعلاقات المؤذية
  4. ResearchGate – دراسة تحليلية عن الشخصية السامة في العلاقات الاجتماعية
  5. Mayo Clinic – Understanding Toxic Behavior
  6. Science of People – مقالات حول تفاعلات الشخصية السامة في الحياة اليومية

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *